أولا و قبل كل شيء، لا أريد أبدوا كمن الذي يدعي العلم، و لمن يقول أن النقد أسهل المهن أقول له أن تكون ضحيت من تنتقد لا يوجد فيه ما يدعوا للضحك...
قبل أيام قامت الدنيا و لم تقعد عندما كتب سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر سابقا في كتابه الصادر مؤخرا على أن الشعب الجزائري شعب متخلف و أنه لولا البترول لما كانت الجزائر دولة أصلا... لماذا قال هذا؟
قبل أيام و مرات عدة خلت، سمعنا عن زيادات فاحشة في المواد الغذائية الأساسية و عن التردي المخيف للقدرة الشرائية للمواطن، من المسؤل عن هذا؟
قبل أيام و مرات عدة خلت، سمعنا بعزوف الأساتذة عن القيام بالدور المنوط بهم من تربية و تكوين أجيال احتجاجا على أجورهم الشهرية و عن مطالب أخرى لا تعد و لا تحصى، لماذا كل هذا؟
قبل أيام انفجرت فضائح في أكبر المؤسسات الوطنية و اليوم نسمع عن إلغاء عقوبة الإعدام، فما مصير الخيانة العظمى و من يرهن مصير الأمة؟
كلها أسئلة لا أريد حتى طرحها حتى لا أضطر للجواب عنها
واقع المدرسة الجزائرية
الكل تهجم عن الأساتذة العرب المصريين منهم و الفلسطينيين و السوريين الذين استنجدت بهم الجزائر إبان الاستقلال في الستينيات على أنهم لم يقدموا لنا شيء و رجعت هذه المزاعم بقوة بعد الحملة المسعورة التي قادها الإعلام المصري ضد الشعب الجزائري.
واقع المدرسة الجزائرية اليوم لم يتحسن حالها عما كانت عليه آنها، حتى بعد أن تسلم الجزائريين مقاليد التعليم في وطنهم.
إصلاحات وهمية مست قطاع التربيةمؤخرا شأنها شأن إصلاحات قطاع العدالة، حيث اقتصرت على تضخيم البرنامج الدراسي و و الكتب حتى لم يتوانى أحد الصحفيين برسم كريكتير صور تلميذ اليوم كالحمار الذي يحمل أصفار، اقتصرت الإصلاحات في المدرسة الجزائرية على تعليم اللغة الفرنسية ابتداء من السنة الثانية تارة و من الثالثة ابتدائي تارة أخرى.
اقتصرت إصلاحات التعليم في غاليتي على تعويض أساتذة متخرجين من معاهد خاصة أين تدرس البيداغوجيا و حس المهنة قبل أن تدرس البرامج الموجهة للتلميذ، بأساتذة خريجي دفعات طابور الجامعات الجزائرية، جامعات إلا ما رحم ربك من الفساد و العلاقات الغرامية، جامعات عافيات للدولة من ملفات طلبات العمل التي تأجل لأربع سنوات أخرى.
الكل ينجح في المنظومة التربوية الجزائرية، و الكل يتخرج من الجامعة و الكل سيعمل بعقود ما قبل التشغيل لا شغل بعدها حيث أضحى عصر التعليم اليوم في الجزائر عصر البريكولاج، متى يأتي يوم يحال فيه كل الأساتذة المرسمين على التقاعد و يعوضون بمستخلفين يحكمهم عقد لا يصلح إلا للعبيد.
يقتصر إصلاح المنظومة التربوية في كنانتي على حذف آيات الجهاد من البرامج التعليمية، و على تشجيع الاختلاط، تقتصر الإصلاحات في موطني على تغيير أستاذ كل شهر ليس لسبب آخر غير أن عقده المؤقت قد قضى نحبه و آلاف آخرين من مَن ينتظر.
الإصلاحات في منظومتنا التربوية تدعم فكر جديد، فإن كان العلم عجلات تقدم الدول فدورانها - و إن كان في الفراغ- في بلادي أهم من تقدمها على طريق المستقبل المزدهر، المهم أن يبدأ العام الدراسي في سبتمبر و أن ينتهي في ماي، ما يهم أن تنعكس صورة الإصلاحات على نسب النجاح في البكالوريا في جوان و ما لا يهم هو ما الذي ستفعله بدفعة المتخرجين بعد أربع سنوات.
إصلاحات سيادة الزوير الخالد في منصبه منذ عقود لا تقتصر سوى على إجبار الإناث من التلاميذ ارتداء المئزر الوردي و الذكور منهم الأزرق، لتحدث في آخر المطاف أزمة المئزر باللونيين ليضطر الولي لشرائها بمبالغ خيالية.
سيدي بن بوزيد يرى بأن إصلاح المنظومة التربوية في بلادي تكون بحذف أبيات من النشيد الوطني، ما يطرح أكثر من تساؤل حول ما قاله وزير خارجية فرنسا بقوله أن مسألة التاريخ المشترك بين البلدين ستحل برحيل كل المجاهدين إذ أني أظن أنه كان ينوي قول عندما يخلف الجمهورية أناس أمثال وزير التربية و التعليم في الجزائر، لتنتهي المسألة في آخرها بالتضحية بمعدي الكتاب بالرغم من أن الكتب لا تطبع مباشرة بل إلا بعد مصادق الوزارة عليها.
ملك وزارة التعليم في مملكتنا اليوم يرى بأن التعليم يصلح بفلسفة، تدور في فحواها سياسة ما تجوع الذئب و ما تغضب الفلاح، فمن جهة لا يملك قوة و جرئت اتخاذ قرار حازم مع الأساتذة اللذين أضحوا يتخذون مستقبل أبناؤنا رهينة و ورقة ضغط على الوزارة، فما نكاد نراه يتخذ قرار خصم أيام الإضرابات السلبية التي تمتد في الزمن حتى نراه يصالح و يلغي قراراته، و من جهة أخرى لا يملك صلاحية و صوت المطالبة بوقف نزيف القدرة الشرائية للمواطن بما فيهم الأستاذ من الحكومة التي ينتمي إليها.
الإمبراطور بن بوزيد يرى بأن الإصلاح يأتي من بوابة النقاش الفارغ أو المفرغ بطول أمد الخلاف بين الوزارة و النقابات العمالية بقطاعه أو الأحسن أن نقول بمقاطعته، دون أن نصل - كما هو من المفروض- لنتيجة تخدم التلميذ أولا و قبل كل شيء.
هذا بالنسبة لفخامة الوزير، و أما الطرف الآخر من النزاع "نقابات الأساتذة" ليسوا بأحسن حال، فالأستاذ اليوم و كأنه في تربص تحضيري ليوم الآخرة، فنفسي نفسي أصبحت أشهر الأغاني على ألسنتهم، ثم لا يخجل بتجرده من القيم و المبادئ التي جعلت محمد صلى الله عليه و سلم يشبههم بالرسل الكرام.
أستاذ اليوم لا يعير إنتباهه إلا لما يتعلق بما سيتلقاه من أجر آخر الشهر، أستاذ اليوم لا يتوانى باستعمال أبناؤه كورقة ضغط، أستاذ اليوم لا يملك هيبة و رزانة مثل ما في القبل، أستاذ اليوم عقله مشدود إلى سيارة بالتقسيط و مشتت في ترقية مقبلة، ما يهم أستاذ اليوم هو الدينار، ما يهمه فعلا قفة المصروف و غلاء المعيشة، أما الذي أصبح لا يهم أستاذ اليوم هي رسالته الشريفة ما أصبح لا يبالي به أستاذ اليوم هو المثل الذي يجسده بالنسبة لجيل تلاميذه.
كيف يحترم الأستاذ و هو يخشى على مستقبل أقسامه؟ كيف يذكر بكلمة خير و هو لا يقوم بواجبه؟، كيف أترحم على نفسك و أنت محمول على الأكتاف إلى المقبرة و أنا أعلم أنك خنت الأمانة؟ هذه رسالتي إليك يا أيها الأستاذ، كان يمكن لك أن تجد حل آخر، كان يمكن لك أن تقوم بمسيرة سلمية تليق بصورتك و تحفظ حقك و تمجد شخصك، التلميذ اليوم على أبواب فترة الامتحانات فكيف لك أن تقيمه و أنت قد تخليت عن قيمك.
اطلعت في أحد المقالات تلخيص مقابلة مع رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، أين تطرق لحيثيات الإشكال و شرح وجهت نظرة الأستاذ و دوافعه للإضراب.
فحين سأل عن رده عن اتهام جمعيات أولياء التلاميذ بدفع أبنائهم للشارع، يرد بأنه أول من يخشى على مصلحتهم، كيف ذلك يا سيدي الرئيس فكل ما أراه هو خوفكم و حرصكم على ما سوف تتقاضونه آخر الشهر.
و حين طولب يشرح أسباب الإضراب و التي تجهلها الأغلبية خاصة في ضوء إقرار زيادات معتبرة في الرواتب الشهرية، تكلم سيدي الرئيس بضبابية أخرى لما قال أن الحكومة تتلاعب و تراوغ، كيف ذلك؟ تراوغ بإدراج منحة المردودية ضمن الزيادات المقر بها. و السؤال الذي يطرح نفسه بصورة آلية، عن أي مردودية تتكلم يا سيدي الرئيس فمستوى التعليم في المدرسة الجزائرية اليوم ينافس على المراتب الأخيرة في القارة السمراء و عن مراتب الحضيض على المستوى العالمي.
و كان رده سيدي الرئيس بأنه يفضل تجنب التكلم عن شبح السنة البيضاء و أن الأستاذ أول من يناضل من أجل أن ينجح أبناؤه على حد تعبيره في سؤال حول تزايد خطر إلغاء هذه السنة الدراسية، رابط ذلك بمدى استجابة الوزارة لمطالبهم.
و الغريب في الأمر جوابه سيدي الرئيس بأن مسألة أمر تعويض الدروس سابق لأوانه و أن مستقبل أبناؤنا سيكون في خطر مؤكد بعد 15 يوم من الإضراب و أن أمله الوحيد و ما يتمناه هو أن تستجيب الوزارة لمتطلباتهم، رابطا صراحة مستقبل الملايين من التلاميذ برد فعل وزير التربية و التعليم متنصلا صراحة من أي مسؤولية تضر بمصلحة التلميذ.
و في مقارنة صغيرة وجدة الفرق الذي يا سيدي الرئيس الذي بين من تدعي أنك، و بين ما أنت و باقي المجموعة الصوتية التي تتقمص شخصية و تلعب دور الأستاذ الذي يخاف مصلحة التلميذ و يضعها عاليا فوق أي اعتبار.
المقارنة هو الإضراب الذي شهدته فرنسا لابتداء من يوم السابع من فيفري الفارط، حيث مشى في مسيرة ملئت الدنيا أساتذة و أولياء و تلاميذ ند للند مطالبين بإلغاء قرار إنهاء عقود عدد من الأساتذة و فعلا تم توقيف مسار إلقاء الدروس و ريثما انطلقت بأحد الثانويات حتى انظم لها عدد من المدارس ليبلغ الإضراب نسبة 60 بالمئة، تمام مثل ما هو حادث هنا في الجزائر بالرغم من التضارب و الاختلاف حول نسب الإضراب هنا و هناك، إنما الفرق الوحيد و الأهم هو أن إضرابهم هناك كان من أجل إظهار حرص الأستاذ الفرنسي على التلميذ فلم يترك منصب عمله لمدة تجاوزت الأسبوع و النصف من أجل المطالبة بالمحافظة على مناصب الشغل إنما كل شيء تلخص على لسان أحد الأساتذة المضربين حيث قال "كيف يمكن الاحتجاج الأزمة الاقتصادية و ارتفاع نسب البطالة لفصل عدد من عمال قطاع التربية متناسيين بذلك مصلحة التلاميذ التي يجب أن تبقى فوق أي اعتبار" فذلك هو الأستاذ الذي يمكن له أنه يقول بأنه يضع مصلحة التلميذ نصب عينيه أما أنت فعفوا يا سيدي رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، فما هو نصب عينيك هو الدينار و ما بعده الدينار.
و ما نستطيع أن نلخص فيه كل ما سبق هو أن وزير التربية و التعليم في الجزائر أصبح ما يمكن أن نصطلح عليه بكلمة البزناس الذي يبيع و يشتري و يقاشر في قيمة العلاوات بعيدا عن أي إصلاح و عن دوره الحقيقي المنوط به، أما الأستاذ فأصبح مصدر خطر يهدد بصورة صارخة مستقبل الأجيال في ظل صمت أقل ما يقال عنه مرعبا السلطات العليا في الدولة قد يكون لسبب واحد هو أن أبناءهم غير معنيون بوزارة التربية و التعليم الجزائرية منقسمين بين من أبناءه يتعلمون في مدارس خاصة و بين من يدرس أبناءه بالخارج في أكبر المدارس و أشرفها.
أما الآن في ما يخص جمعيات أولياء التلاميذ فأقل ما يمكن قوله عنها أنها جثة متعفنة هامدة منذ أمد بوادر النزاع بين الوزارة و نقابات الأساتذة و المعلمين و تقف موقف المتفرج الذي لا جمل له ولا ناقة في النزاع القائم و كأننا في دعوى عمومية يقف فيها التلميذ موقف الطرف المدني في غياب كل من الجاني و وكيل الجمهورية، ذلك هو المشهد ضحية من دون متهم و من دون دفاع.
و إن كان من حق الأستاذ المطالبة بحقوقه و الدفاع عنها و إن اختلفنا حول الطرق المؤدية لذلك، بالنظر إلى سياسة صاحب المهم الصعبة حتى لا نقول القذرة و الهادفة للحد من صدمة الأزمة الاقتصادية العالمية و تحت عنوان الحمائية الاقتصادية و التي على حد تصريحاتهم ادخرت 17 مليار دولار للخزينة العمومية السنة الماضية، لكن بأي ثمن؟
الثمن كان تدهور المستوى المعيشي للمواطن الجزائري البسيط الكل على حد السواء الأستاذ منهم و التاجر و العامل بالمصنع المهدد بالانهيار، الثمن كان أن تقفز الزيادات في السلع الضرورية بمبالغ خيالية، الثمن كان أن يسكت فخامة الرئيس المنتخب للدفاع عن الشعب الجزائري ليحدث بذلك شرخ مخيف بين ما هو حكومة و سلطة و بين ما هو شعب و غلابة.
الثمن كان أن يغضب الأستاذ من تدني قدرته الشرائية و ظروف عمله، الثمن كان أن يصحوا المواطن الأستاذ ليخرج و في صورة إضراب سلبي بين قوسين في انتفاضة في غير محل أقول هذا بالنظر لحساسية القطاع أو مقاطعة بن بوزيد أو مملكته فكان أجدر بأولياء التلاميذ أن يمارسوا ضغطهم في كل قطاعات نشاطهم ليطالبوا بحق الشعب في الحياة الكريمة بما فيهم الأستاذ و العمال النظافة و البطال.